عبد المنعم أديب تتوالى العقود على مشكلة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وتتكرر المذابح لإخواننا هناك؛ وتجد أمام عينيك الأقصى يُقتحم من المحتلّ في رمضان خاصةً؛ وكأنه يهين المسلمين إهانةً صريحةً مختارةً. ولعلَّ قلب كلٍّ منا يكاد يتفطر حزنًا على تلك التدنيسات التي يقوم بها العدو على أرض المسجد الشريف، ويكاد يتفطر وهو يرى إخوانه يُروَّعون أثناء صلاتهم، ويُمنعون منها. حتى كادت الصلاة في المسجد الأقصى حُلمًا للمجاورين له من أهل فلسطين، لا للبعيدين؛ حتى صاروا يرددون الدعاء نفسه الذي نردده: اللهم صلاةً في المسجد الأقصى! كلُّ هذه المشاهد والاستدعاءات قد تُدخل شعور الإحباط إلى نفوسنا، بل قد يتطوَّر الأمر إلى حال من انفضاض اليد عن القضية، واليأس الحقيقيّ؛ حتى تجد نفسك تخاطبك: ماذا ستفعل بصراخك؟ وهنا لا بد لنا جميعًا أن نتذكر حقيقةً عقديةً إسلاميةً واضحةً هي: لا يحدث في كون الله إلا مُرادُ الله ومشيئتُه. ولعلَّ نفوسنا بعدها تسأل: وما مُراد الله من أنْ نقع في أزمة كهذه دون قدرة على التغيير؟! والإجابة في أن الله الحكيم أخبرنا أن هذه الدنيا هي دار اختبار لنا جميعًا، وأن كل ما فيها؛ إمَّا هي أدوات للاختبار (الصحة، العُمر، البدن، المال….) وإمَّا مواقف يبتلينا الله بها، أيْ يمتحننا فيها. يقول الله -تعالى- في آية صريحة -من ضمن عشرات الآيات بالمعنى نفسه-: (كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً). والمقصودُ بذكر الضدَّيْن الخير والشر إيرادُ الكلّ، أيْ كلّ ما يأتيكم هو محل ابتلاء أيْ اختبار. وبالجمع بين هاتين المقدمتين سنخرج بنتيجة هامة جدًّا: أنَّ ما يحدث هو اختبار من الله لنا في أفعالنا وأقوالنا، أو بدقة في أفعالنا التي منها ما نقوله. ولأنَّنا نعلم أن الله مُطلق القدرة والإرادة (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)؛ فإننا نعلم أن وقت زوال هذا الوبال لمْ يحن بعد. مما يعني أن الاختبار بهذا الموقف ما زال قائمًا. فلنقبلْ اختبارَ الله لنا، ولنعملْ للنجاح في هذا الاختبار.
|