اندلعت الحرب في السادس من يوليو 1992 باحتلال قوات الصرب مدينة سراييفو -عاصمة البوسنة والهرسك- ولقي 312 ألف شخصٍ حتفهم، 38% كانوا من المدنيين البوشناق، فاضطر فوق ما يزيد عن مليوني من البشناق إلى الهجرة. وبعد مرور ما يقرب من عام، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار بجعل منطقة سربرنيتسا منطقة آمنة منزوعة السلاح. وهذا يعني أنه على كلٍ من القوات البوسنية والقوات الصربية بتسليم أسلحتها. لذا فقد تم إرسال مجموعة من قوات الحماية (الناتو) التابعة للأمم المتحدة إلى سربرنيتسا في مايو 1993. ونتيجة لذلك توافد آلاف من مسلمي المدن المجاورة إلى سربرنيتسا اعتبارًا أنها ملاذهم الآمن من وحشية وسيطرة جيش صرب البوسنة، فتضاعف عدد سكانها من سبعة آلاف إلى ثلاثين ألف. كان الهدف من مذبحة سربرنيتسا هو تطهير المنطقة من مسلميها، وأطبق جنود صرب البوسنة قبضتهم على سربرنيتسا بما يقرب من 2000 جندي، وحالوا دون إيصال المساعدات الطبية والغذائية. فلقي البعض حتفهم من الجوع والعطش. في السادس من يوليو 1995 انسحب بعض جنود الحماية بعد زيادة تدفق جنود صرب البوسنة ومداهمتهم لنقاط المراقبة ومهاجمة مراكزهم. في التاسع من يوليو 1995 أمر رادوفان كاراديتش جنوده بالتقدم للسيطرة على سربرنيتسا. العاشر من يوليو 1995 طالب قائد القوات الهولندية الدعم الجوي من طائرات حلف شمال الأطلسي للدفاع عن سربرنيتسا، لكن القصف المتتالي من قوات صرب البوسنة على المدينة جعل العملية تفشل.
الحادي عشر من يوليو 1995 حالة من الهلع والخوف تنتاب مسلمي البوسنة، ولم يجدوا مكان للاختباء سوى مجمع بوتوتشاري التابع للكتيبة الهولندية التابعة للأمم المتحدة. تجمع ما يقرب أكثر من 30.000 لاجئ بوسني مدني يطلب الحماية. كان الوضع مأساوي، فالمكان مكتظ بالمدنيين، الحرارة مرتفعة، وهنالك القليل من الطعام والشراب! تقدم رادكو ملاديتش يسأل النساء عن أحوالهن وطمأنهن، وقام بتوزيع الحلوى على الأطفال، وأمر جنوده أن يسمحوا للنساء والأطفال بالمرور أولاً وهو يقول لهن: "انتبهن، لا تضيعن الأطفال.. لا تخافوا لن يؤذيكم أحد". في هذه الأثناء كانت عدسات الكاميرات التابعة للقوات الصربية تصور المشهد؛ لتبين مدى وداعتهم، وفي نفس التوقيت كان الواقع مغايرًا، فخطة ملاديتش السادية مُعدة وجاهزة للتنفيذ خلال أقل من أسبوع! وقد تم فصل النساء عن الرجال في اليومين التاليين، وفي هذه اللحظة أدرك جنود الأمم المتحدة ما سوف يجري بحق هؤلاء المدنيين العُزل. كانت غالبية المدنيين من النساء والعجائز والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى الرغم من هذا فتم السماح لخمسة آلاف مسلم بالدخول إلى مجمع بوتوتشاري، وطردت قوات الحماية أكثر من خمس وعشرون لاجئ بوسني من الذكور، رغم علمها بأن الرجال سيتعرضون للقتل من قبل قوات صرب البوسنة!! فلجأ البقية إلى المزارع والغابات المجاورة، وتم اقتياد الرجال إلى أحد المنازل، أما النساء والأطفال فقد استقلن عربات وتم إرسالهن إلى الأراضي البوسنية. وحاول بعض رجال سربرنيتسا الفرار خلسة إلى الغابات باتجاه توزلا لكن، بعد يومين وليلتين من القصف المتواصل في الغابات يئس جميع المسلمين وخرجوا. الثاني عشر من يوليو 1995 أضرم عدد من قوات صرب البوسنة النيران في منازل البوشناق، وتسللوا إلى المجمع وقاموا بقتل بعض الرجال. تعددت روايات الناجين من هذه المذبحة، غير أنها اتفقت جميعها على قساوة المشهد، فالبعض يذكر كيف رأى الصرب يقتلوا بعض الأطفال ويغتصبوا النساء بجوار مقر قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة، ولم تحرك قوات الحماية ساكنًا! ويروي أحد الشهود أن الجنود قد أخذوا ثلاثة أشقاء ليلًا، وحينما بحثت عنهم والدتهم وجدتهم عراة وحناجرهم مقطوعة! كان المشهد دموي، حتى أن البعض قد حاول الانتحار من هول المشهد. في السادس عشر من يوليو العاشرة صباحًا وصلت الحافلات التي تقل المعتقلين المسلمين، تم اقتيادهم إلى أحد المنازل القريبة وأجبروا سائقين الحافلة على قتلهم ليضمنوا صمتهم في المستقبل. أما بقية المعتقلين فقامت المجموعة العاشرة للتخريب باصطفافهم وقتلهم واحدًا تلو الآخر حتى امتلأت المزرعة بالجثث! وقد وُثق اعتراف لـ درازن أرديموفيتش -وهو أحد ضباط المجموعة التي شاركت في هذه المذبحة -أمام محكمة يوغسلافيا: انهم قاموا في مزرعة برانيفوو العسكرية بتصفية ألف ومئتي (1200) مدني مسلم بدم بارد، تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والسادسة والسبعين (14-76)! بالإضافة إلى مذبحة دار الثقافة في بليتش والتي قتل فيها خمسمائة رجل (500) بعد أن أطلقوا النيران عليهم بعشوائية. وانتهت المذبحة بعد وقت قليل من توقيع اتفاق دايتون للسلام، والتي تسببت في إبادة +7000 شخص، باعتراف الأمم المتحدة.
أكمل القراءة من تبيان.
|