عبد المنعم أديب
اعتاد بعضٌ من العرب أن يستخدم كلمات أجنبية في لغة حديثه أو في كتابته، بل نجد البعض الآن يكتبون منشوراتهم كاملةً بلغة أجنبية. وهم يفعلون هذا ظنًّا منهم العلوَّ بهذا السلوك عن بقية الناس؛ الذين ويا للأسف يتحدثون باللغة العربية. هنا يجب أن نذكِّر صاحب هذا السلوك بحقيقة حاله؛ فلمْ يقتصر صاحب هذا السلوك أن يكون مسكين العقل، فقير النظر، بل أضاف إليها حال البؤس الشنيع الذي ألبسه نفسه بهذا السلوك. فصار بحول نفسه وقوة وألمعيَّة اختياره مسكينًا بائسًا! وصاحب هذا السلوك مسكين العقل فقير النظر؛ لأنّه عاش ما عاش فلم يدرك مبدأ الأنا، ولم يعرف ما هو تكوين الفرد؛ ولم يدرك مبدأ الآخر، ولم يعرف قوام الهُوِّيَّة. فصاحبنا يظنُّ في نفسه الضعة، وصاحبنا يظنُّ أنَّه بكتابةٍ أو قولٍ بألفاظ أجنبية في حديث أو خطاب قد انتشل نفسه من حال الضعة هذه إلى حال من الرفعة؛ حتى ليظنّ المسكين أنَّه لمْ يعُد هو، لم يعُد مثل هؤلاء "القوم" (الذين هُم قومه وأهله وناسه)، بل صار من قوم آخرين (الذين هم الآخر بكل مكوِّناته وتركيبه). فيا له من فعل يستحق الرثاء! ويا له من تفكير ساذج منخدع في أقلّ درجات العمق (القشرة الظاهرة). ويدلُّ هذا على فقر صاحبه وعلى دور الآخرين في التنويه على خطورة هذا الفعل، وإخراج أصحابه منه. وهنا دعونا نتذكر أسماء رجال لا يعرفون كلماتٍ قليلة (مثل صاحبنا المسكين) بل هُم من أفضل مَن أجاد اللغات الأجنبية، وإنْ نابذوا أهلها فيها لنبذوهم حقًّا لا ادعاءً. ولا يعوزنا ذكر نُدرة منهم: زكي نجيب محمود وكان حجةً في الاطلاع على آثار الإنجليز، عبد الرحمن بدوي وكان يتقن سبع لغات ويترجم عنها جميعًا، محمد عناني وهو مترجم أعمال شكسبير من اللغة الإنجليزية القديمة في أفضل ترجماته، عبد المعطي شعراوي الذي يترجم عن اليونانية القديمة واللاتينية بلا وسيط في أبرع الترجمات. ومن الظلم ذكر أحدهم فسأغفل عن ذكر مئات أمام هذا الواحد المذكور. انظر في لقاءات هؤلاء جميعًا، واستمع إلى تسجيلاتهم الإذاعية، واقرأ كتبهم؛ ولن تجد هذا السلوك المُعوَجَّ المَمْجُوج الذي ذُكر قبلًا، بل ستجدهم يتحدثون بطلاقة بالفصحى متعمِّقين فيها تعمُّق أصحابها اللائق بهم. لن تجد هذا السلوك عند هؤلاء لأنهم لم يشعروا بالضعة التي يشعر بها صاحبنا، ولم يحسوا بأنهم ارتفعوا شأنًا عندما تركوا ألفاظ لغة وتداولوا ألفاظ أخرى. بل كانوا يعرفون أنَّ لهم شأنًا وقدرًا، وكانوا نابهين أنَّنا نتعلم لغة أقوام آخرين لأهداف كثيرة نافعة؛ ليس منها أن نهدم كياننا بإبداله أو تعطيله أو دمجه بهجين مسخ.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق