من المُسلَّم به أنّ المسلم الحيّ الذي ينتمي لكتاب ربّه ونبيّه صلى الله عليه وسلّم انتماءً حقيقيًّا؛ لا يقبلُ أن تمرّ إساءةٌ لمُقدّسٍ من مقدّساته هذه دون أن يتمعّرَ وجهه غضبًا وتنتفضَ روحه في داخله رفضًا لهذه الإساءة. وهذا على مستوى الشّعور الذّاتي؛ ولكن كيف يكون التّعبيرُ بالفعل السّلوكيّ الرّافض والغاضب على المستوى الفرديّ والجمعيّ؟ ولعلّي أسجّل نقاطًا موجزةً لتجلية بعض الأفكار والقواعد في إطار محاولة ترشيد الأفعال السّلوكيّة الغاضبة تجاه الإساءة لكتاب ربّنا ومقام نبيّنا صلى الله عليه وسلّم. القاعدة الأولى: التفريق بين الإساءة الرسميّة والفرديّة الإساءات الصّادرة تجاه نبيّنا صلى الله عليه وسلّم وكتاب ربّنا ليست على سويّة واحدة من حيثُ الجهة الصّادرة عنها؛ فبعض الإساءات تصدرُ عن جهاتٍ رسميّة سياسيّة أو لها صفةٌ رسميّة مثل الإساءة الأخيرة التي تمثّلت في حرق نسخةٍ من المصحف أمام السفارة التركيّة في السويد فقد صدرت من رئيس حزبٍ وبموافقة من السلطات السويديّة وحماية الشّرطة وأمام سفارة دولة مسلمة في فعل سياسيّ يتضمّن رسائل سياسيّة، ومثل ذلك الإساءات التي صدرت مرارًا من الرّئيس الفرنسي ماكرون تجاه الإسلام، فهذه الإساءات يجبُ أن تختلفَ في آليّة التعاطي معها وردّ الفعل عليها عن الإساءت الصّادرة من أفراد عاديّين أو من صحيفة مغمورة أو صحفيّ أو رسّام كاريكاتير تافهٍ مجهول.
القاعدة الثّانية: التّفريق بين الجهات المسيئة وبين الشّعوب الغربيّة في غمرة الغضب من الإساءات الصّادرة بحقّ كتاب ربّنا ونبيّنا صلى الله عليه وسلّم ينبغي ألّا يدفعنا الغضب إلى إصدار تعميمات عدائيّة بحقّ الشّعوب التي صدرت من جهات سياسيّة أو رسميّة فيها هذه الإساءات. فلا بدّ أن يكون الغضب راشدًا يتركّز على توصيفاتٍ بارتكاب العدوان والعنصريّة والكراهيّة بحقّ الجهات أو الشخصيّات التي صدرت منها الإساءة دون تعميم ذلك ليصبح الأمر وكأنّه معركة دينيّةٌ بين المسلمين وغير المسلمين، ودون تعميم الوصف على الشّعوب الغربيّة بأنّها معاديةٌ للإسلام. القاعدة الثّالثة: ضرورة الخروج من دائرة ردّة الفعل إلى دائرة الفعل ترشيد الغضب تجاه الإساءة لمقدّساتنا واجبٌ على أهل الدّعوة والفكر والإصلاح من خلال توجيه هذا الغضب ليغدو طاقةً فاعلةً وليس محض غضبةٍ انفعاليّة، ويكون ذلك بالعودة إلى مقدساتنا التي أسيءَ لها انتماءً والتفافًا حولها ونهلًا من معينها. فكلّما أساؤوا لكتاب ربنا؛ بادَرنا إلى البرامج والمشاريع التي تعزز انتماء المسلمين للقرآن الكريم تحكيمًا واستهداءً، وتحبيبًا وانتماء، وتحفيظًا وتدبّرًا. القاعدة الرّابعة: الحذر من جعل الغضب أداة بيد الاستبداد لصرف النّظر عن قبائح المستبدين عقب انتشار الرّسوم الكاريكاتيريّة المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلّم في الصحيفة الدّنماركيّة التافهة نهاية عام 2005م وبداية 2006م سارعت بعض الأنظمة السياسيّة إلى استثمار غضبة الشّعوب في اتجاهين؛ الأول تحويل الأنظار عن المشكلات الدّاخليّة التي كانت تعصف بتلكم البلدان حينها، والثّاني استخدام الشّعوب الغاضبة لأجل نبيّها في توجيه رسائل سياسيّة إلى الغرب مفادها تمسكوا بنا وإلّا فإنّ البديل هو هؤلاء المتديّنون الذين يحرقون سفاراتكم وأعلامكم في بلداننا، علمًا أنّ ذلك كلّه جرى على مرأى من رجالات الأمن ومباركة من أجهزة المخابرات في تلكم الدّول.
هذه قواعد أربعةٌ في محاولة ترشيد الغضب الصّادق والواجب انتصارًا لكتاب ربّنا ومقام نبيّنا صلى الله عليه وسلّم، والله وليّ كلّ توفيق والمُعين الأوحد على التّحقيق. المصدر: عربي 21.
|