كان أحمد يقف كعادته في صفوف صلاة التراويح، متلهفًا انقضاء الركعات الثماني ليتولى مدبرًا إلى بيته، حتى أذن الله في تلك الليلة أن ينزل على قلب أحمد النور، وعلى سمعه الضياء، فينقلب حاله ويدرك ما غفل عنه سنين عمره، فقد سمع الإمام يتلو: {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} كانت آية مألوفة له، فقد قرأها عشرات المرات في ختمات رمضان، غير أن وقعها هذه المرة على قلبه كان مختلفًا، فقد سقطت كبذرة تساؤل في عقله، فأخذ يسأل نفسه: "لماذا يسارعون؟ ألا يكفي ما نصليه ونصومه؟ فلماذا المسارعة؟" السؤال تلو السؤال يجوب في فكره، حتى أنه غفل عن عدد الركعات التي مرّت، فلم يكن شيء يشغله سوى التفكر بآية من كتاب الله، فلما استجمع وعيه وعزم أمره أن يصغي لما يتلوه إمامه، عسى أن يكون به جواب سؤاله، إذا بآيات أخرى تقع على مسمعه، فيرتجف بها قلبه وتهتز لها روحه: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚكَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} لم يكن وقع هذه الآيات كسابقتها بل كان أشد، فقد كان عقله يبحث عن إجابة فجاءته كالصاعقة، عندها أدرك أحمد سبب المسارعة والتسابق، فقال في نفسه: "ألهذا يسارعون؟ يسارعون قبل أن يحين يوم لا يستطيع به أحد أن يزيد من عبادته ولا عمله، يسارعون قبل أن تمر حياتهم دون أن يشعروا، فيجدوا أنفسهم بعد غفلتهم لا يستطيعون إلى صلاة ولا صيام". عندها خر أحمد ساجدًا وهو يدعو: "اللهم لا تجعلني من الغافلين، اللهم قوني وألهمني طاعتك فيما بقي من عمري". فيا أيها القارئ، اعلم أن حال أحمد حالنا كلنا، طوبى لمن عاشه باكرًا، فسارع وسابق، ويا حسرة على من نسي وغفل حتى فاته الأوان، فيا من عزمت أمرك ونقض الغبار عن قلبك، قد جهزنا لك في هذه النشرة حقيبة نسأل الله أن تكون لك زادًا في انطلاقتك، فلا تركن بعدها وابدأ عملك وتوكل على الله.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق