أيامٌ ويُقبِل رمضان والقلب مشتت والنفس متهالكة والهِمم مبعثرة، والشواغل تغطي القلب والعقل، فلا حال الأمّة يُريح، ولا التغاضي ينفع، ولا الملهيات تنتهي، ولا المتطلبات تتوقف... عالمٌ من الشتات نعيش فيه، وقليلٌ من يأخذ نفسه بالعزم والجِدّ، فأصبح أفضلنا حالًا هو من يُأمِّل نفسه براحة رمضان، وسكينة التراويح، وخشوع القرآن. كيف وهذه هي الحال والروح مُثقلةٌ أن يُتنَفَّس عبير رمضان، كيف لقلبٍ ما عاد فيه موضع أن يلين ويُخبت ويتدبر كلام ربّه، كيف لعقل أهلكته الشواغل أن يتفكَّر ويتدبّر؟! أمَّلت نفسي أنّ ساعات من التدريب على القيام والحفاظ على وِردٍ يزداد يومًا بعد يوم، سيَفِيانِ بالغرض! ولكن ما تفيد أعمالُ الجوارح والقلب في واديه، يسارع انتهاء الوِرْد لينقلب إلى مشاغله، ما يكاد يسكن من الانشغال، كيف لوعاء امتلأ أن تضع فيه المزيد؟! كيف لقلب يحتاج لإنعاشة أن تطلب منه الركض؟! إنه حال المُنبتّ–أي المنقطع-الذي اشتدّ على راحلته في طلب هدفه، والراحلة ما تدرَّبت تدربّ صاحبها، فهلكت منه في منتصف الطريق، فلا هو بلغ مراده، ولا أبقى راحلته. فإن المُنْبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى. فكان عِماد الأمر ومُبتَدَأهُ: إنقاذَ القلب الذي سيحملك في رمضان، لتنعم بدويّ القرآن والمساجد تصدح بآيات القرآن في القيام، لتغتنم عبادة رمضان، لتنقطع عن شواغلك وتوكلها لله، وأنت تسعى وتأخذ بالأسباب فقط دون أن تشغل قلبك بالتدبير، فالله يُدبِّر لك. فإنه إذا نقص مخزون القلب وقلَّت لياقته فلن تستطيع احتمال العبادة الرمضانية وما بعدها. يقول رسولنا الكريم الذي ما ينطق عن الهوى: «ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب.» ويرسم ابن القيم-رحمه الله-العلاقة ما بين الجوارح والقلب، وأيهما يُقدّم وينال الحُظوة عند ربه: «فواجبات القلوب أشد وجوبًا من واجبات الأبدان وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات، فتراه يتحرَّج من تركِ واجب من واجبات الأبدان، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرُضها، ويتحرج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريماً وأعظم إثمًا» أكمل القراءة على تبيان
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق