نادى عليه بكل قسوة: إبراهييييم... هيا اُخرج! ذُعر إبراهيم من هذه الصيحة... فهي لا تنبئ أن ما سيلقاه في التحقيق شيء يبشر بخير. إبراهيم شاب من الضفة الغربية في مطلع العشرين؛ قَبضت عليه السلطات الصهيونية بعد يومين من طوفان الأقصى لظهور علامات الفرح والاستبشار على تقاسيم وجهه. نال من التعذيب والتنكيل والويلات والتجويع والاستهانة ما لا يُوصف، لكنه يسأل الله في كل صلاة أن يثبته على الحق، فلا يتزعزع أمام هؤلاء المغتصبين. مضت الأيام كأنها قرون، لكن كان لاستظهار القرآن لذة ما بعدها لذة، عاش بين حروفه ومعانيه، يستأنس بالواحد القهار. ورغم ذاك فالحرية عزيزة، والنفس الأبية التي لا تقبل الذل والهوان وإن كانت تستلذ الصعاب في سبيل الله تعالى، إلا أن حب الحرية شيء فطري لا يمكن أن يُستغنى عنه.
بعد هذا النداء من الجندي الصهيوني تيقن أن كل ذرة من جسده ستتذوق الألم، فاستعد بكلمات واثقات: اللهم اكفنيهم بما شئت. جلس بين يدي المحقق فسأله كالعادة، ووجه إليه التهم كالعادة، وأعاد الموال الذي سمعه أكثر من عدد شعرات رأسه كالعادة... لكن هذه المرة صيحة الجندي ليست كالمعتاد، فالتعذيب آت لا محاله، كما في أيامه الأولى من الاعتقال... وإذ به غارق في تثبيت نفسه يتضرع لله تعالى، إذ بالمحقق يقول له بنبرة المستكبر: أنت ممن أُفرج عنهم في صفقة تحرير الأسرى، فاغرب عن وجوهنا! انتصار وأيما انتصار حققته غزة، وهذا ما سنكتشفه في نشرتنا هذه. |