في ليلة هادئة والظلام يعم منزلًاًا قديمًا، كان أبو عبد الرحمن مستلقيًا على سريره، غارقًا في نوم عميق بعد يوم شاق، فقد كان الأمس يومًا مميزًا، يوم ختم ابنه عبد الرحمن القرآن الكريم على يد لجنة من أشهر قراء بلده، وقد استهلت عليه التهاني والمباركات حتى منتصف الليل، عندها انكب على سريره مستسلمًا للنوم. فلما حلّ سحر تلك الليلة إذا بمنبه هاتفه يرن، وكان قد اعتاد ضبطه بمثل هذه الساعة ليوقظ ابنه لمراجعة القرآن الكريم، ولكن اليوم، لم يكن هناك مبرر للاستيقاظ، فقد اجتاز ابنه الاختبار ونال الإجازة، لذا مدّ الأب يده لإطفاء المنبه، غير أن صوتًا رقيقًا خاشعًا استل إلى أذنه، لينهض الأب متعجبًا من أين الصوت؟!، فأخذ يتبع أثره ويبحث عن مصدره. عند ذلك وجد الأب نفسه أمام غرفة ابنه عبد الرحمن، ليجد ابنه قائمًا يصلي يرتل آيات الله متدبرًا، عندها تساءل الأب في نفسه والدهشة تملأ وجهه: "متى استيقظ؟ وكيف وجد هذا النشاط بعد يوم أمس؟ ألم ينجح باختباره؟ فلماذا يراجع اليوم؟"، استسلم الأب لتساؤلاته جالسًا بهدوء في زاوية الغرفة. فلما أن أنهى الابن صلاته استدار وقال: "يا أبتي، أعلم ما يدور في بالك، فقد كنتُ عازمًا على النوم دون أن استيقظ كما اعتدت، لكني عندما أغمضت عيني سمعت قول ربي: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا}، عندها شعرت بالفزع والخوف يملأ قلبي، إذ خشيت أن أضيّع نعمة ربي بعد أن وهبني إياها إذا تكاسلت، فعزمت أن أثبت لله صدق نيتي، فقمتُ كما كنت أفعل، أرتل آياته بين يديه سبحانه". كانت تلك الكلمات كفيلة بأن تُغرق عينا الأب دمعًا وهو يقول: "بوركت يا بني، وبورك فهمك، إن الله يحب أن يرى شكر عبده على نعمته بالاستقامة عليها". وهكذا هو حال المؤمن إذا أكرمه الله بنعمة أن يحافظ عليها، فيا من أكرمه الله بشتى الطاعات في رمضان، أرِ الله منك صدق الشكر والاستقامة على ما وهبك بعد رمضان، واعلم أن رب رمضان هو رب السنة كلها، وقد جهزنا لك حقبة نرجو من الله أن تكون عونًا لك بعد رمضان، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق