كان أول ما اهتم الإمام النووي به بعد بلوغه دمشق، أن يصل إلى أحد العلماء فيُلازمه ويقرأ عليه، ثم أن يجد له مأوى. ومما يظهر أن النووي أول ما قصد، قصد الجامع الأموي، وهو جامع دمشق الأكبر؛ فلقي النووي خطيب الجامع الشيخ جمال الدين عبد الكافي الربعي، فذهب إليه وعرفه مقصده ورغبته في طلب العلم، فأخذه وتوجه به إلى حلقة مفتي الشام تاج الدين الفزاري، وهو أول شيخ لازمه النووي، وبعدها استقر النووي في المدرسة الرواحية. حين استقر الإمام النووي في المدرسة الرواحية، واطمأنت نفسه في مسجده أقبل على طلب العلم بكل ما يعتلج بقلبه وعقله من شغف وجد واستعداد، ومن نهم للعلم لا يسده شبع. ولقد كان ذلك منه مضرب المثل، ومثار العجب، قال رحمه الله: "وبقيت سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض". يقول الذهبي: وضرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلًا ونهارًا، وهجرة النوم إلا في غلبة، وضبط أوقاته بلزوم الدرس أو الكتابة أو المطالعة أو التردد على الشيوخ. يقول الإمام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم: إن الاشتغال بالعلم من أفضل القرب وأجلّ الطاعات، وأهم أنواع الخير وآكد العبادات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات. وكان يقرأ كل يوم اثني عشر درسًا على المشايخ شرحًا وتصحيحًا، فإذا حسبنا ذلك وجدنا أنه يحتاج في حضور دروسه إلى اثنتي عشرة ساعة على أقل تقدير، وكان يحتاج مثلها في المراجعة والحفظ، فهذه أربع وعشرون ساعة، فمتى ينام؟ ومتى يأكل؟ ومتى يقوم بعبادته؟ ومتى يتهجد في ليله؟ نعم إنها بركة الوقت التي يورثها الله أولياءه الصالحين وحملة دينه. أكمل القراءة من تبيان.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق